المصطفى ولد سيدي //النصرة بعد انقشاع الغبار

سبت, 13/07/2019 - 21:06

 

كان السبب رأيا شخصيا صادف هوى من البوح وعطنا من الكتابة عن مظلومية جماعة منا تعز علينا و لها منا كل الإكبار ولها في تاريخنا كل التقدير والعرفان بالجميل على ما قدمت أياديها البيضاء وعقولها النيرة من صناعات كان لها الفضل على مجتمعنا حتى اليوم و في كل مناحي الحياة قدمته بجهد جبار و عرق زكيّ مع نكران للذّات، وفيض من العطاء النادر، و بإمكانيات شحيحة، و بعبقرية فذة طوّعت المستحيل ليهنأ كل المجتمع
فلها الأجر والثواب عند الله..
لكن هذا الرأي الشخصي المسيء نتج عن فهم خاطئ لوقائع من السيرة النبوية العطرة اجتُزأت من سياقها الواقعي مكانا و ظرفا و حالا وما اكتنفها من ملابسات
فأساء الكاتب بذلك للجانب النبوي الشريف صلوات ربي و سلامه عليه وعلى آله الأطهار و صحابته الأخيار
مما حولها إلى رأي عام و قضية وطنية للجمهورية الإسلامية التي أُسيء إلى نبيّها و حاشاه من ذلك صلى الله عليه و سلم 
ذلك الإجتزاء للوقائع النبوية و تلك الانتقائية للأحداث غير البريئة جعلت الكاتب يُجانب الصواب و يطلق الأحكام السيئة جزافا على أرضية مغلوطة فما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة بعد حكمه و قضائه فهو صاحب الكلمة الفصل و الحكم العدل 
و الوحي يتنزل عليه قال تعالى ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة..  وقال في موضع آخر: من بعد أن أظفركم عليهم و قوله: وأورثكم أرضهم و ديارهم و أموالهم أرضا لم تطئوها و قوله: وإما تثقفنهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم  و قوله: فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها  و كذلك لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم..... إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم )
و غير هذا الكثير من الآيات خصوصا أنه الرحمة المهداة و النعمة المسداة  ( و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
لذا فجّر المقال المشؤوم ولا غرو موجة عارمة من الغضب الشعبي و النخبوي ما جعل القضية تأخذ مجراها في العدالة الموريتانية و التي أحسن الظن بنزاهتها في التعاطي مع هذا الملف الحساس ذي الطابع الإيماني البحت والضمير القضائي بين يدي من يعلم السر و أخفى 
و العدالة لها الحق و لها فقط سلطة التقدير والفصل في هذا الملف لأنه أساءنا في نبينا صلى الله عليه و سلم
هذه الموجة الإيمانية العارمة فتحت الباب واسعا في وسائل الإعلام و وسائط التواصل الإجتماعي أمام الآراء الفقهية و النصوص القانونية حول موضوع الردة و الزندقة و التكييف الفقهي و طرحت أسئلة كبرى حول الحدود و أحكام التعزير المناسبة لهذه الثلاث آنفة الذكر وما المناسب لها أهو المذهب المالكي مذهب الجمهورية؟ أم يتوسع للمذاهب الفقهية الإسلامية السنية فقط؟ أم للآراء الإسلامية والفكرية عامة؟
وهل يذهب للمخفف مجاراة للوضع الدولي و ثقافة حقوق الإنسان و مقتضيات الديمقراطية وصوت التيارات الفكرية والمنظمات الدولية؟
وهل الزندقة تكييف شرعي؟ أم هي مصيدة سياسية لتصفية الخصوم و المعارضين السياسيين و المصلحين الاجتماعيين من طرف حكام المجتمعات الإسلامية على مر العصور؟ 
و ماهي علاقة كل ذلك بالحرية الشخصية و حرية الرأي و مكانتها من المقدسات الإسلامية؟
ذلك يرجع كما يرى البعض إلى عموم الآيات التي تؤكد على حرية العقيدة  ( لا إكراه في الدين - و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين - من شاء فليؤمن ومن شاء فاليكفر - ما أنت عليهم بمسيطر - ما أنت عليهم بجبار -ما أنت عليهم بوكيل - فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) و يسيقون الكثير من الآيات في هذا الموضوع
و يستشهدون بتعايش النبي صلى الله عليه و سلم وصحابته الكرام مع المنافقين في المدينة و آخرين من دونهم لاتعلمهم الله يعلمهم
لكن هذا العموم على رأي الكثير مقيد بأحاديث السنة و يؤمها حديث من بدل دينه فاقتلوه وغيره من الأحاديث النبوية المؤيدة باجتهادات الصحابة رضوان الله عليهم في حروب الردة و غيرها
كذلك مابسطه السادة الفقهاء في كتب الفقه والمفسرون في تفسير آيات الأحكام مما يرجع له في مظانه 
ومن الأسئلة التي طرحت هل الحدود المنصوصة كتابا و سنة من قتل و قطع و جلد و حبس و غيرها هي سقف أعلى للحدود حدده الشرع وأمر أن لا نتعداها و ترك للقضاء والحاكم سلطة التقدير فيما دونها من زواجر وعقوبات رادعة أم أنه لزاما توقيعها على الجناة عند توفر الشروط و انتفاء الموانع
وهل يركن للقاعدة التي تقول أنه خير أن يخطئ الحاكم في العفو من أن يخطئ في العقوبة 
أم أن ذلك في الفرعيات وليس في المقدسات
وكان من الأسئلة كذلك هل  فتاوى العلماء لعموم الناس هي نفسها أمام الحكام أم أن هناك هامشا فقهيا أمام المفتي للحكام إعتبارا لمصلحة يرقبها الحاكم أو درء مفسدة تحتم إكراهاتها لما لها من مخاطر على الحاكم أو رعيته أن لا يعلنها للرأي العام وفق سلطته التقديرية
دار هذا النقاش و مازال يدور و الذي لست أهلا للخوض فيه و لست أهلا لترجيح على آخر لما لي من بضاعة مزجاة و جهل مركب 
و لأنني من عموم المسلمين المصدقين و المحبين للنبي صلى الله عليه و سلم و أبرأ إلى الله من سيّء قول أو فعل أو تصور يخرج عن ذلك و لله الحمد والمنة أقول إنه مما أثرى هذا النقاش الخوف على المجتمع من هجمة إلحادية تطل برأسها بين الفينة و الأخرى يرفدها هذا الإنفجار التواصلي العالمي والمد الجارف من الآراء و المعتقدات و الأهواء و الأطر الفكرية المحلية و الدولية المتكالبة على هذا الدين العظيم للنيل منه وهيهات يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون و(إلا تنصروه فقد نصره الله ... )
قد كان ما كان مما لست أذكره...فظن خيرا و لا تسأل عن الخبر
فإن أبيت إلا أن تسأل عن نتائج جموع النصرة المبتلاة بحاشرين كثر توزعت ميولهم وأجنداتهم عضين فهم أجزاء و شيّع و كل حزب بما لديه فرح بحسب ملاحظات متواضعة نجملها فيما يلي:
1 - شيخ النصرة و عرابها وسماسرته كانوا يغطون أكلهم ﻷموال الناس وديارهم بلبوس الدين و حشد و حشر الجماهير ليثق فيهم السذج و البسطاء و المغفلون حتى يسلبوهم ممتلكاتهم بتدين زائف بأن عواره...
2 - ثم إن جموع النصرة مع الأسف أيضا كانت ملعبا خصبا لأهل الأهواء الشخصية لمعوا من خلالها شخوصهم و صنعوا منها شخصياتهم و هم مآرب شتى :
- منهم بعض المحامين الذين ركبوا الموجة ليتعرف عليهم أهل المصالح في المحاكم و مكاتب التوثيق و الإستشارات القانونية
- و منهم الإعلاميون المجهولون الذين نفخوا في أبواق النصرة و أنعشوا من خلالها جرائد و مواقع لم يكن  لها رصيد في المشهد الإعلامي
 - و منهم من كان يترصّد تغطية جموع النصرة كمادة إعلامية دسمة لبعض القنوات الوطنية الفقيرة في البرامج و صناعة الحدث الجاذب لجمهور المشاهدين و المتابعين فغطت بتغطيتها الحشود هزالها الإعلامي و أدائها الباهت
3- ولم يكن غائبا عن جموع النصرة دور المخابرات هي أيضا في لقمة عيشها تقتات على التأزيم و صناعة القبة من الحبة فمابالك بالإساءة للجناب النبوي الشريف صلاة ربي و سلامه عليه و على آله الطيبين و أصحابه الميامين 
فهي لكي ترهب ولي نعمتها بحشود جرارة تملؤ السهل و الجبل لتأخذ الثمن داخليا و خارجيا
4- ومن الآكلين على مائدة جموع النصرة النبيلة جيش جرار من أنصاف المتفيهقين و المشائين بين مآدب التدين المغشوش ظاهرا و أما باطنا فحدث و لا حرج 
فهم أيضا حفظوا أسطرا و بعض الأحاديث من بعض الكتب فخيل ٱليهم بذلك  أنهم أصبحوا ورثة ألأنبياء - وهيهات - فكان مناسبا و تصورهم هكذا أن تصدح حناجرهم أمام الحشود المبتلاة أقال الله عثرتها و جبر خيبتها
5- دون أن ننسى لحلاحة السياسيين و تحمسهم للظهور في هذا الجمع الباذخ ليوظفوه لرسائلهم السياسية و تلميع صورهم المشوهة موالاة ومعارضة علهم بإظهارهم لنصرة الرسول صلى الله عليه و سلم يصلون لقلوب الناخبين و العياذ بالله
وهو بأبي هو و أمي في غنى عن الجميع صلوات ربي وسلامه عليه و على آله الأطهار و صحابته الأخيار و قد قال له ربه جل و علا ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم - إنا كفيناك المستهزئين - و الله يعصمك من الناس - أليس الله بكاف عبده )
6- لا يمكننا أن ننسى في هذا الخضم العريض جحافل مجحفلة من الأدباء و الفنانين والمغنين و الشعراء الذين لم يكن من الوارد إطلاقا أن لا يهيموا في واد كهذا أبدا فهم أيضا إما معروفون مشهورون فهذا يزيد من رصيدهم و يتصيدون فيه فرائسهم 
و إما مغمورون فالفرصة سانحة بجماهير مد السمع و البصر لينفضوا عنهم غبار النكران و الجهالة علهم يحجزوا مقاعد لهم في الصفوف الأمامية متى ما أنقشع غبار النصرة المظلومة بكل هذه الأهواء
8 - ثم إن أكبر الحيتان المتطفلة على مائدة النصرة المبتلاة بذوي القربى هو النظام القائم فمن خلالها سوى الكثير من الملفات داخليا و خارجيا 
و الجحافل الطيبة على نياتها و إنما لكل إمرئ ما نوى
فمن خلال هذه الملاحظات النتائج إن صدقت تكون جموع النصرة حقا شرعيا و واجبا دينيا و مقصدا إيمانيا و حقا دستوريا و سلوكا ديمقراطيا، و ما قام به كل  هؤلاء و غيرهم وربما كثيرون هو لمصالحهم الشخصية و كل  في جماهير النصرة يغنّي على ليلاه أو ميه....
إذا كنت في هم و ضقت بحمله// و أصبحت محزونا و قلبك في حرج
فصل على المختار من آل هاشم// كثيرا فإن الله يأتيك بالفرج
صلى الله عليه و على آله و سلم تسليما كثيرا و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
كتبه: المصطفى ولد سيدي بالدار البيضاء يوم 11/7/2019