التراث الديني بين إعادة التكرير و ضرورة التنوير / محمد المصطفى سيدي شادي (الفخامة)

ثلاثاء, 15/02/2022 - 19:19

إن لكل أمة سحنة قيمية تميزها عن باقي الأمم و لها مخيالها و تصورها الذي من خلاله يتكون عقلها الجمعي الذي تنتج من خلاله ثقافتها العلمية و تنشئ حضارتها المادية وفق انساق إجتماعية و سياسية و نفسية و اقتصادية موجهة بتفكير يرسخ قناعات يترتب عليها سلوك معين هو الحاضن للثقافة و الموجه للحضارة من خلال مداميك فكرية و ميكانيزمات إجتماعية واعية 
و لعل عامل الدين هو ابرز موجهات العقل الجمعي لأي ثقافة بشرية من خلاله تشكل فكرها و قناعاتها عن الإنسان و الكون و الحياة بتعبير آخر تضع تصورها عن الأشياء و الأحياء مستخدمة  الأسئلة المفتاحية من اين و كيف و لماذا و إلى اين و متى معززة بالوحي و النبؤات لتشكل من كل ذالك فلسفتها الخاصة بها و من هنا كان لزاما الفصل التام بين ماهو مقدس قطعي واجب التسليم و الإذعان لتعالية عن الفكر البشري و ارتباطه بالله العزيز الحكيم و ما كان من إنتاج البشر و فهمهم و استقرائهم و تأليفهم لجواز الخطإ فيه لعدم حياده في الأغلب الأعم عن ميولهم الفكرية و نوازعم النفسية و حظوظهم الشخصية و توجهاتهم السياسية فضلا عن قصورهم العلمي و المعرفي ما يحتم ضرورة تحيين نتاجهم المعرفي لمواكبة صيرورة التطور البشري و سيرورة التاريخ الإنساني
و تأسيسا على ما سبق فإن القرآن الكريم حري بنا أمة الإسلام أن نوليه كل الإهتمام بالمدارسة و الحفظ و التمثل من خلال بعث فريضة التدبر الغائبة أو المغيبة إن صح التعبير
فالله يقول و إنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم_ و وصفه بقوله لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد _
بدأه بقرأ بسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ و رك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم _  و ختمه في حجة الوداع بقوله اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا _
و وصفه بالقرآن المجيد و قرآن كريم _ وإن هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم _ قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد_ قل أوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به و من بلغ _ حاثا على ضرورة تدبره لمعرفة معانيه و تمثلها قال : أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا_  أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها _ أفلم يدبروا القول_ و قرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث _و رتلناه ترتيلا_
و قد حذر من اتخاذه ظهريا ونهى عن هجره _و قال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا
وقد تعهد سبحانه بحفظه فقال_ إنا نحن نرلنا الذكر و إنا له لحافظون _
و جعله نورا و كتابا مبينا يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرج به من الظلمات إلى النور بإذنه _ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله_
فهو الحكم العدل و العروة الوثقى و حبل النجاة و قد حيل بين المسلمين و بينه بكم هائل متراكم من مؤلفات التراث و التي جعلت هي الدين ( و عمت بها البلية و عظمت بسببها الرزية بحيث صار لا يعرف أكثر الناس سواها و لا يعدون العلم إلا إيها فطالب الحق في مظانه لديهم مفتون و مؤثره على ما سواه ليدهم مغبون نصبوا لمن خالفهم الحبائل و بغو له الغوائل و رموه عن قوس الجهل و البغي و العناد و قالوا لإخوانهم إنا نخاف أن يبدل دينكم و يظهر في الأرض الفساد )
فالقرآن قطعي الثبوت لتواتره رواية لحفظ الله له وما عداه من كتب التراث فما كان منه سنة ظني الثبوت يستأنس بما وافق منه القرآن 
اما غيره من مراجع التفسير و كتب الفقه و السير والتصوف و الأصول فهي عمل بشري محض يؤخذ منه و يرد لأنه لا يعدو تنظيرا بشريا و أراء لا تلزم غير أصحابها فهي إجتهادات لهم لا قداسة لها إطلاقا فما وافق منها الحق فلها و ما خالفه فعليها 

...يتواصل إنشاء الله

     المصطفى سيدي
الفخامه